أحدها الايمان الحقيقي، وهو الثابت المستقر في القلوب بالبرهان اليقيني.
الثاني ما ليس ثابتا بالبرهان اليقيني بل بالدليل الجدلي، كإيمان كثير ممن لم يحقق العلوم العقلية، ويعتقد ما يعتقده عن أقيسة جدلية لا تبلغ إلى درجة البرهان، وقد سمى عليه السلام هذا القسم باسم مفرد، فقال إنه عواري في القلوب، والعواري جمع عارية أي هو وإن كان في القلب وفي محل الايمان الحقيقي الا أن حكمه حكم العارية في البيت، فإنها بعرضة الخروج منه، لأنها ليست أصلية كائنة في بيت صاحبها.
والثالث ما ليس مستندا إلى برهان ولا إلى قياس جدلي، بل على سبيل التقليد وحسن الظن بالأسلاف، وبمن يحسن ظن الانسان فيه من عابد أو زاهد أو ذي ورع، وقد جعله عليه السلام عواري بين القلوب والصدور لأنه دون الثاني، فلم يجعله حالا في القلب، وجعله مع كونه عارية حالا بين القلب والصدر. فيكون أضعف مما قبله.
فان قلت فما معنى قوله (إلى اجل معلوم)؟
قلت إنه يرجع إلى القسمين الأخيرين; لان من لا يكون ايمانه ثابتا بالبرهان القطعي قد ينتقل ايمانه إلى أن يصير قطعيا، بان ينعم النظر ويرتب البرهان ترتيبا مخصوصا، فينتج له النتيجة اليقينية، وقد يصير ايمان المقلد ايمانا جدليا فيرتقى إلى ما فوقه مرتبته، وقد يصير ايمان الجدلي ايمانا تقليديا بان يضعف في نظره ذلك القياس الجدلي، ولا يكون عالما بالبرهان، فيؤول حال ايمانه إلى أن يصير تقليديا، فهذا هو فائدة قوله (إلى اجل معلوم) في هذين القسمين.
فاما صاحب القسم الأول فلا يمكن أن يكون ايمانه إلى اجل معلوم، لان من ظفر بالبرهان استحال أن ينتقل عن اعتقاده، لا صاعدا ولا هابطا، اما لا صاعدا، فلأنه ليس فوق البرهان مقام آخر، واما لا هابطا، فلان مادة البرهان هي المقدمات البديهية