حدقتين قمراوين; وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوى، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضى منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعا مستدقة.
فتبارك الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها، ويعفر له خدا ووجها; ويلقى بالطاعة إليها سلما وضعفا، ويعطى القياد رهبة وخوفا.
فالطير مسخرة لامره، أحصى عدد الريش منها والنفس، وأرسى قوائمها على الندى واليبس; وقدر أقواتها، وأحصى أجناسها; فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام، دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه.
وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها، فبل الأرض بعد جفوفها، واخرج نبتها بعد جدوبها.
* * * الشرح:
قوله (وأسرج لها حدقتين) أي جعلهما مضيئتين كما يضئ السراج، ويقال حدقة قمراء أي منيرة، كما يقال ليلة قمراء أي نيرة بضوء القمر.
و (بهما تقرض) أي تقطع، والراء مكسورة.
والمنجلان رجلاها; شبههما بالمناجل لعوجهما وخشونتهما.
ويرهبها يخافها ونزواتها وثباتها والجدب المحل.