قال أبو جعفر وقد تعلمون أن بعض الملوك ربما أحدثوا قولا، أو دينا لهوى فيحملون الناس على ذلك، حتى لا يعرفوا غيره، كنحو ما اخذ الناس الحجاج بن يوسف بقراءة عثمان، وترك قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب، وتوعد على ذلك بدون ما صنع هو وجبابرة بنى أمية وطغاة مروان بولد علي عليه السلام وشيعته، وإنما كان سلطانه نحو عشرين سنة، فما مات الحجاج حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان، ونشأ أبناؤهم ولا يعرفون غيرها لإمساك الاباء عنها، وكف المعلمين عن تعليمها، حتى لو قرأت عليهم قراءة عبد الله وأبى ما عرفوها، ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان، لألف العادة وطول الجهالة، لأنه إذا استولت على الرعية الغلبة، وطالت عليهم أيام التسلط، وشاعت فيهم المخافة، وشملتهم التقية، اتفقوا على التخاذل والتساكت، فلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم، وتنقص من ضمائرهم، وتنقض من مرائرهم، حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها، ولقد كان الحجاج ومن ولاه، كعبد الملك والوليد ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بنى أمية على إخفاء محاسن علي عليه السلام وفضائله وفضائل ولده وشيعته، واسقاط أقدارهم، أحرص منهم على اسقاط قراءة عبد الله وأبى، لان تلك القراءات لا تكون سببا لزوال ملكهم، وفساد أمرهم، وانكشاف حالهم، وفي اشتهار فضل علي عليه السلام وولده واظهار محاسنهم بوارهم، وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم، فحرصوا واجتهدوا في اخفاء فضائله، وحملوا الناس على كتمانها وسترها، وأبى الله أن يزيد امره وامر ولده الا استنارة واشراقا، وحبهم الا شغفا وشدة، وذكرهم الا انتشارا وكثرة، وحجتهم الا وضوحا وقوة، وفضلهم الا ظهورا، وشأنهم الا علوا، واقدارهم الا اعظاما، حتى أصبحوا بإهانتهم إياهم أعزاء، وبإماتتهم ذكرهم احياء، وما أرادوا به وبهم من الشر تحول خيرا، فانتهى إلينا من ذكر فضائله وخصائصه ومزاياه وسوابقه ما لم يتقدمه السابقون، ولا ساواه فيه القاصدون، ولا يلحقه الطالبون، ولولا أنها كانت
(٢٢٣)