الشرح:
لقائل أن يقول ما نعرف أحدا من بنى اسحق وبنى إسرائيل احتازتهم الأكاسرة والقياصرة عن ريف الآفاق إلى البادية ومنابت الشيح، الا أن يقال يهود خيبر والنضير وبنى قريظة وبنى قينقاع، وهؤلاء نفر قليل لا يعتد بهم. ويعلم من فحوى الخطبة انهم غير مرادين بالكلام، ولأنه عليه السلام قال تركوهم اخوان دبر ووبر، وهؤلاء لم يكونوا من أهل الوبر والدبر، بل من أهل المدر; لأنهم كانوا ذوي حصون وآطام. والحاصل إن الذين احتازتهم الأكاسرة والقياصرة من الريف إلى البادية، وصاروا أهل وبر ولد إسماعيل; لا بنو إسحاق وبنو إسرائيل.
والجواب انه عليه السلام ذكر في هذه الكلمات، وهي قوله (فاعتبروا بحال ولد إسماعيل وبنى إسحاق وبنى إسرائيل المقهورين والقاهرين جميعا); اما المقهورون فبنو إسماعيل، واما القاهرون فبنو إسحاق وبنو إسرائيل، لان الأكاسرة من بنى إسحاق; ذكر كثير من أهل العلم أن فارس من ولد إسحاق، والقياصرة من ولد إسحاق أيضا، لان الروم بنو العيص بن إسحاق، وعلى هذا يكون الضمير في (أمرهم)، و (تشتتهم) و (تفرقهم) يرجع إلى بنى إسماعيل خاصة.
فان قلت فبنو إسرائيل، أي مدخل لهم هاهنا؟ قلت لان بني إسرائيل لما كانوا ملوكا بالشام في أيام أجاب الملك، وغيره حاربوا العرب من بنى إسماعيل غير مرة، وطردوهم عن الشام وألجئوهم على المقام ببادية الحجاز.
ويصير تقدير الكلام فاعتبروا بحال ولد إسماعيل مع بنى إسحاق وبنى إسرائيل; فجاء بهم في صدر الكلام على العموم، ثم خصص فقال الأكاسرة والقياصرة، وهم داخلون في عموم ولد إسحاق، وإنما لم يخصص عموم بني إسرائيل لان العرب لم تكن تعرف ملوك