الأصل:
ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام، وعزة لا تضام، وملك تمد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال; لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، وابعد لهم من الاستكبار، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبه مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة، والحسنات مقتسمة; ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله، والتصديق بكتبه، والخشوع لوجهه، والاستكانة لامره، والاستسلام لطاعته، أمورا له خاصة، لا يشوبها من غيرها شائبة.
* * * الشرح:
تمد نحوه أعناق الرجال، أي لعظمته; أي يؤمله المؤملون ويرجوه الراجون، وكل من امل شيئا فقد طمح ببصره إليه معنى لا صورة، فكنى عن ذلك بمد العنق.
وتشد إليه عقد الرحال يسافر أرباب الرغبات إليه، يقول لو كان الأنبياء ملوكا ذوي باس وقهر لم يمكن ايمان الخلق وانقيادهم إليهم، لان الايمان في نفسه واجب عقلا، بل كان لرهبة لهم أو رغبة، فيهم فكانت النيات مشتركة هذا فرض سؤال وجواب عنه كأنه قال لنفسه لم لا يجوز أن يكون ايمانهم على هذا التقدير لوجوبه، ولخوف ذلك النبي، أو لرجاء نفع ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال لان النيات تكون حينئذ مشتركة، أي يكون المكلف قد فعل الايمان لكلا الامرين وكذلك تفسير قوله (والحسنات مقتسمة) قال ولا يجوز أن تكون طاعة الله تعالى تعلو الا لكونها طاعة له لا غير، ولا يجوز أن يشوبها ويخالطها من غيرها شائبة.