واعلم أن هذه الخطبة من أعيان خطبه عليه السلام، ومن ناصع كلامه ونادره، وفيها من صناعة البديع الرائقة المستحسنة البريئة من التكلف ما لا يخفى، وقد اخذ ابن نباتة الخطيب كثيرا من ألفاظها فأودعها خطبه، مثل قوله (شديد كلبها، عال لجبها، ساطع لهبها، متغيظ زفيرها، متأجج سعيرها، بعيد خمودها ذاك وقودها، مخوف وعيدها، عم قرارها، مظلمة أقطارها، حامية قدورها، فظيعة أمورها) فان هذه الألفاظ كلها اختطفها، وأغار عليها واغتصبها، وسمط بها خطبه، وشذر بها كلامه.
ومثل قوله (هول المطلع، وروعات الفزع، واختلاف الأضلاع، واستكاك الاسماع، وظلمة اللحد، وخيفة الوعد، وغم الضريح، وردم الصفيح) فان هذه الألفاظ أيضا تمضي في أثناء خطبه، وفى غضون مواعظه