ورابعها: قوله عليه السلام (إن أمرنا هذا صعب مستصعب) ويروى (مستصعب - بكسر العين - لا يحتمله الا عبد امتحن الله تعالى قلبه للايمان)، هذه من ألفاظ القرآن العزيز، قال الله تعالى ﴿أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى﴾ (١) وهو من قولك امتحن فلان لأمر كذا وجرب ودرب للنهوض به، فهو مضطلع به غير وان عنه، والمعنى انهم صبر على التقوى أقوياء على احتمال مشاقها، ويجوز أن يكون وضع الامتحان موضع المعرفة، لان تحققك الشئ إنما يكون باختباره كما يوضع الخبر موضع المعرفة، فكأنه قيل: عرف الله قلوبهم للتقوى، فتتعلق اللام بمحذوف، أي كائنة له، وهي اللام التي في قولك أنت لهذا الامر، أي مختص به كقوله * أعداء من لليعملات على الوجا *.
وتكون مع معمولها منصوبة على الحال، ويجوز أن يكون المعنى ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل التقوى، أي لتثبت فيظهر تقواها، ويعلم انهم متقون، لان حقيقة التقوى لا تعلم الا عند المحن والشدائد والاصطبار عليها.
ويجوز أن يكون المعنى انه أخلص قلوبهم للتقوى، من قولهم امتحن الذهب، إذا أذابه فخلص إبريزه من خبثه ونقاه.
وهذه الكلمة قد قالها عليه السلام مرارا، ووقفت في بعض الكتب على خطبة من جملتها إن قريشا طلبت السعادة فشقيت، وطلبت النجاة فهلكت، وطلبت الهدى فضلت، ألم يسمعوا ويحهم قوله تعالى ﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم﴾ (2) فأين المعدل والمنزع عن ذرية الرسول، الذين شيد الله بنيانهم فوق بنيانهم، وأعلى رؤوسهم فوق رؤوسهم، واختارهم عليهم الا إن الذرية أفنان انا شجرتها، ودوحة انا ساقها، وإني من احمد بمنزلة الضوء من الضوء، كنا