واما قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل لواهب ان يرجع في هبته الا الوالد) فليس يتصل اسناده الا من حديث حسين المعلم كما وصفت لك وبه قال أبو ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه كل من وهب هبة لذي رحم محرمة كالأخ والأخت وبن الاخوة والأخوات وكذلك الأعمام والعمات والأخوال والخالات والاباء وان علوا والبنين وان سفلوا وكل من لا يحل له نكاحها أو كانت امرأة من جهة النسب والصهر وكذلك الزوجان ان وهب أحدهما لصاحبه لم يكن للواهب منهم ان يرجع في هبته كما ليس للمتصدق ان يرجع في شيء من صدقته فان وهب لغير هؤلاء فله الرجوع في هبته ما لم تزد في بدنها أو يزيد فيها الموهوب له وما لم يمت واحد منهما وما لم تخرج الهبة من ملك الموهوب له إلى ملك غيره وما لم يعوض الموهوب له الواهب عوضا يقبله ويقبض منه فأي هذه الأشياء كانت فلا رجوع في الهبة معه كما لا يرجع في الصدقة ولا فيما وهب لذي رحم محرمة منه ولا فيما وهب أحد الزوجين لصاحبه وإذا لم تكن هذه الأشياء والشروط التي ذكرنا والأوصاف التي وصفنا كان للواهب الرجوع في الهبة ولا يرجع عليه الا بحكم الحاكم له فيها أو بتسليم من الموهوب له هذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه فيما ذكر الطحاوي عنهم في (مختصره) وحجتهم في ذلك الحديث عن عمر - رضي الله عنه - من رواية مالك وغيره عن داود بن الحصين عن أبي غطفان عن مروان عن عمر أنه قال (من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه الصدقة) فسوى بين الهبة لذي الرحم وبين الصدقة وروى الأسود عن عمر مثله فيمن وهب لصلة رحم أو قرابة وليس في حديث عمر ذكر الزوجين ولا فرق بين الرحم المحرمة ولا غير المحرمة كما فعل الكوفيون والأصل عندي الذي تلزم الحجة به انه لا يجوز لاحد الرجعة فيه لقوله صلى الله عليه وسلم (العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) الا ان تثبت سنة تخص هذه الجملة أو يتفق على معنى من ذلك علماء الأمة وبالله التوفيق
(٢٣٧)