فخرج إليه الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمرين، قد منعوا حرقوص بن، زهير ولا يرون القتال مع علي بن أبي طالب. فقال: يا علي، إن قومنا بالبصرة يزعمون إنك إن ظهرت عليهم غدا أنك تقتل رجالهم وتسبي نساءهم.
فقال: ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر، ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: (لست عليهم بمصيطر. إلا من تولى وكفر).
وهم قوم مسلمون! هل أنت مغن عني قومك؟ قال: نعم، واختر مني واحدة من ثنتين، إما أن أكون آتيك فأكون معك بنفسي، وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف. فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وقد بدأ فقال: يال خندف، فأجابه ناس، ثم نادى يال تميم، فأجابه ناس ثم نادى: يال سعد، فلم يبق سعدي إلا أجابه، فاعتزل بهم، ثم نظر ما يصنع الناس، فلما وقع القتال وظفر علي جاؤوا وافرين. فدخلوا فيما دخل فيه الناس.
[كذلك] أرسل عمران بن حصين في الناس يخذل من الفريقين جميعا، كما صنع الأحنف، وأرسل إلى بني عدي فيما أرسل، فاقبل رسوله حتى نادى على باب مسجدهم: ألا إن أبا نجيد عمران بن الحصين يقرئكم السلام، ويقول لكم: والله لأن أكون في جبل حضن مع أعنز خضر وضأن، أجز أصوافها وأشرب ألبانها، أحب إلى من أن أرمي في شئ من هذين الصفين بسهم، فقالت بنو عدي جميعا بصوت واحد: إنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشئ - يعنون أم المؤمنين.