فلما أمسوا، وذلك في جمادى الآخرة، أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه، ما خلا أولئك الذي هضوا عثمان.
فباتوا على الصلح، وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه، والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط، قد أشرفوا على الهلكة، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها، حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر، واستسروا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر، فغدوا مع الغلس، وما يشعر بهم جيرانهم، انسلوا إلى ذلك الأمر انسلالا، وعليهم ظلمة، فخرج مضريهم إلى مضريهم وربعيهم إلى ربعيهم، ويمانيهم إلى يمانيهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة، وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم.
وخرج الزبير وطلحة في وجوه الناس من مضر فبعثا إلى الميمنة، وهم ربيعة.
يعبؤها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وإلى الميسرة عبد الرحمن بن عتاب ابن أسيد، وثبتا في القلب، فقال: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء، ويستحل الحرمة، وأنه لن يطاوعنا، ثم رجعا بأهل البصرة، وقصف أهل البصرة، أولئك حتى ردوهم إلى عسكرهم، فسمع علي وأهل الكوفة الصوت، وقد وضعوا رجلا قريبا من علي ليخبره بما يريدون، فلما قال: ما هذا؟ قال ذاك الرجل ما فجئنا إلا وقوم منهم بيتونا، فرددناهم من حيث جاؤوا، فوجدنا القوم على رجل فركبونا، وثار الناس، وقال علي لصاحب ميمنة: إئت الميمنة، وقال لصاحب ميسرته: إئت الميسر، ولقد علمت أن طلحة والزبير غير منتهين حتى يسفكا