الدماء، ويستحلا الحرمة، وإنهما لن يطاوعانا، والسبئية لا تفتر انشابا.
ونادى علي في الناس: أيها الناس، كفوا فلا شئ، فكان من رأيهم جميعا في تلك الفتنة ألا يقتتلوا حتى يبدؤوا، يطلبون بذلك الحجة، ويستحقون على الآخرين، ولا يقتلوا مدبرا، ولا يجهزون على جريح، ولا يتبعوا. فكان مما اجتمع عليه الفريقان ونادوا فيما بينهما.
وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة رضي الله عنها، فقال: أدركي، فقد أبى القوم إلا القتال، لعل الله يصلح بك. فركبت. والبسوا هودجها الأدراع، ثم بعثوا جملها، وكان جملها يدعى عسكرا، حملها عليه يعلي بن أمية، اشتراه بمائتي دينار. فلما برزت من البيوت - وكانت بحيث تسمع الغوغاء - وقفت، فلم تلبث أن سمعت غوغاء شديدة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجة العسكر، قالت: بخير أو بشر؟ قالوا: بشر. قالت: فأي الفريقين كانت منهم هذه الضجة فهم المهزومون. وهي واقفة، فوالله ما فجئها إلا الهزيمة، فمضى الزبير من سننه في وجهه، فسلك وادي السباع، وجاء طلحة سهم غرب يخل ركبته بصفحة الفرس، فلما امتلأ موزجه دما وثقل، قال لغلامه: اردفني وأمسكني، وابغني مكانا أنزل فيه، فدخل البصرة وهو يتمثل مثله ومثل الزبير: