فبين النبي (صلى الله عليه وسلم) أن هذا هو ذلك السبيل واختلف العلماء في هذه الآية فقيل هي محكمة وهذا الحديث مفسر لها وقيل منسوخة بالآية التي في أول سورة النور وقيل أن آية النور في البكرين وهذه الآية في الثيبين وأجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة ورجم المحصن وهو الثيب ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه فإنهم لم يقولوا بالرجم واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم فقالت طائفة يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وإسحق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وبعض أصحاب الشافعي وقال جماهير العلماء الواجب الرجم وحده وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخا ثيبا فإن كان شابا ثيبا اقتصر على الرجم وهذا مذهب باطل لا أصل له وحجة الجمهور ان النبي (صلى الله عليه وسلم) اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية وفي قوله (صلى الله عليه وسلم) واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها قالوا وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ فإنه كان في أول الأمر وأما قوله (صلى الله عليه وسلم) في البكر ونفي سنة ففيه حجة للشافعي والجماهير أنه يجب نفيه سنة رجلا كان أو امرأة وقال الحسن لا يجب النفي وقال مالك والأوزاعي لا نفي على النساء وروى مثله عن علي رضي الله عنه وقالوا لأنها عورة وفي نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم وحجة الشافعي قوله (صلى الله عليه وسلم) البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة وأما العبد والأمة ففيهما ثلاثة أقوال للشافعي أحدها يغرب كل واحد منهما سنة لظاهر الحديث وبهذا قال سفيان الثوري وأبو ثور وداود وابن جرير والثاني يغرب نصف سنة لقوله تعالى إذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وهذا أصح الأقوال عند أصحابنا وهذه الآية مخصصة لعموم الحديث والصحيح عند الأصوليين جواز تخصيص السنة بالكتاب لأنه إذا جاز تخصيص الكتاب بالكتاب فتخصيص السنة بأولى والثالث لا يغرب المملوك أصلا وبه قال الحسن البصري وحماد ومالك وأحمد وإسحق لقوله (صلى الله عليه وسلم) في الأمة إذا زنت فليجلدها ولم يذكر النفي ولأن نفيه يضر سيده مع أنه لا جناية من سيده وأجاب أصحاب الشافعي عن حديث الأمة إذا زنت أنه ليس فيه تعرض للنفي والآية ظاهرة في وجوب النفي فوجب العمل بها وحمل الحديث على موافقتها
(١٨٩)