قلت: يا أبا الحسن، والله ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك، فقال:
صبر جميل والله المستعان.
فقلت: والله إنك لصبور، قال: فإن لم أصبر فماذا أصنع، قلت: إني جلست إلى المقداد بن عمرو آنفا، وعبد الرحمن بن عوف، فقالا كذا وكذا، ثم قام المقداد فاتبعته، فقلت له كذا، فقال لي كذا، فقال علي (عليه السلام)، لقد صدق المقداد فما أصنع، فقلت: تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك، وتخبرهم أنك أولى بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك، فإن أجابك عشرة من مائة شددت بهم على الباقين، فإن دانوا لك فذاك، وإلا قاتلتهم وكنت أولى بالعذر، قتلت أو بقيت، وكنت أعلى عند الله حجة.
فقال: أترجوا يا جندب أن يبايعني من كل عشرة واحد، قلت: أرجو ذلك، قال: لكني لا أرجو ذلك، لا والله ولا من المائة واحد، وسأخبرك أن الناس إنما ينظرون إلى قريش فيقولون: هم قوم محمد وقبيله، وأما قريش بينها فتقول: إن آل محمد يرون لهم على الناس بنبوته فضلا، ويرون أنهم أولياء هذا الأمر دون قريش، ودون غيرهم من الناس، وهم إن ولوه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا، ومتى كان في غيرهم تداولته قريش بينها، لا والله لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا.
قلت: جعلت فداك يا ابن عم رسول الله، لقد صدعت قلبي بهذا القول، أفلا أرجع إلى المصر، فؤذن الناس بمقالتك، وأدعو الناس إليك، فقال: يا جندب ليس هذا زمان ذاك.
قال: فانصرفت إلى العراق فكنت أذكر فضل علي على الناس، فلا أعدم رجلا يقول لي ما أكره، وأحسن ما أسمعه قول من يقول: دع عنك هذا وخذ فيما ينفعك، فأقول: إن هذا مما ينفعني وينفعك، فيقوم عني ويدعني.
حتى رفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة، أيام ولينا، فبعث إلي فحبسني حتى كلم في، فخلى سبيلي.
ونادى عمار بن ياسر ذلك اليوم: يا معشر المسلمين، إنا قد كنا وما كنا