دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ١٩٥
من التوقف، وأما تقديم الظاهر فلا. والأولى إدارة الأمر مدار الظن الفعلي ".
الأمر السادس: أنه قد وقع الخلاف بين العلماء في تقطيع الحديث واختصاره برواية بعض الحديث الواحد دون بعض على أقوال:
أحدها: المنع مطلقا، اختاره المانعون من رواية الحدث بالمعنى لتحقق التغيير وعدم أدائه كما سمعه. وبه قال بعض مجوزي رواية الحديث بالمعنى أيضا.
ثانيها: المنع إن لم يكن هذا المقطع قد رواه في محل آخر، أو رواه غيره تماما ليرجع إلى تمامه من ذلك المحل، أرسله غير واحد قولا.
ثالثها: الجواز مطلقا، اختاره بعضهم وفسر الإطلاق في البداية بأنه سواء كان قد رواه هو أو غيره على التمام أم لا وينبغي تقييد هذا القول بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل بالمعنى حذفه، كالاستثناء والشرط والغاية ونحو ذلك، وإلا فالظاهر عدم الخلاف في المنع منه، وادعى بعضهم الاتفاق عليه، ومن هنا يتحد هذا القول مع الرابع وهو التفصيل بالجواز إن وقع ذلك ممن يعرف تمييز ما تركه منه عما نقله وعدم تعلقه به بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه، فيجوز حينئذ وإن لم تجز الرواية بالمعنى، لأن المروي والمتروك حينئذ بمنزلة خبرين منفصلين، والمنع إن وقع ذلك من غير العارف، وهذا القول هو الأظهر ولا يخفى عليك أن ذلك فيما إذا ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه مرة تاما فخاف إن رواه ثانيا ناقصا أن يتهم بزيادة فيما رواه أولا أو نسيان لغفلة وقلة ضبط فيما رواه ثانيا فلا يجوز له النقصان ثانيا ولا ابتداء إن تعين عليه أداء تمامه لئلا يخرج بذلك باقيه عن حيز الاحتجاج.
الأمر السابع: أن صرح جمع بجواز تقطيع المصنف الحديث الواحد في مصنفه بأن يفرقه على الأبواب اللائقة به للاحتجاج المناسب في كل مسألة مع مراعاة ما سبق من تمامية معنى المقطوع. وقد فعله أئمة الحديث منا ومن الجمهور. ولا مانع منه، وعن ابن الصلاح أنه لا يخلو من كراهة ولم يوافقه أحد ولا ساعد عليه الدليل.
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»