دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ١٩٤
الأمر الثالث: أن الخلاف المذكور لا يجرى في المصنفات، فإنها لا يجوز تغييرها أصلا وإبدالها بلفظ آخر وإن كان بمعناه على وجه لا يخرج بالتغيير عن وضعه ومقصود مصنفه، لأن النقل بالمعنى إنما رخص فيه لما في الجمود على الألفاظ من الحرج وذلك غير موجود في المصنفات المدونة في الأوراق، ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره كما هو ظاهر، نعم لو دعا إلى النقل بالمعنى شئ ونبه على كون نقله بالمعنى جاز.
الأمر الرابع: أنه ينبغي لراوي حديث بالمعنى والشاك في أنه نقل باللفظ أو بالمعنى أن يقول بعد الفراغ من الحديث: أو كما قال، أو نحوه، أو شبهه، أو ما أشبهه عاطفا له على كلمة " قال " التي ذكرها في ابتداء النقل.
وقد روي أو قوما من الصحابة كانوا يفعلون ذلك وهم أعلم الناس بمعاني الكلام خوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر، فعن ابن مسعود أنه قال يوما: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله " فاغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، ثم قال:
أو مثله أو نحوه أو شبيها به، وعن أبي الدرداء أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أو نحوه أو شبهه، وعن أنس بن مالك أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ففرغ، قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وقال بعضهم: إنه إذا اشتبهت على القارئ لفظة فحسن أن يقول بعد قراءتها على الشك: " أو كما قال " لتضمنه إجازة من الشيخ وإذنا في رواية صوابها عنه إذا بان.
الأمر الخامس: أن الراوي الثقة إذا روى مجملا وفسره بأحد محامله فالأكثر كما في القوانين على لزوم حمله عليه بخلاف ما لو روى ظاهرا وحمله على خلاف الظاهر، لأن فهم الراوي الثقة قرينه وليس له معارض من جهة اللفظ لعدم دلالة المجمل على شئ بخلاف الثاني، فإن فهمه معارض بالظاهر الذي هو حجة.
وناقش في ذلك في القوانين بأن " مقتضى الظاهر العمل عليه، فمقتضى المجمل السكوت عنه، ولا يتفاوت الحال مع أن الظاهر إنما يعتبر لأن الظاهر أنه هو الظاهر عند المخاطب بالحديث لا لظهوره عندنا، لأن الخطاب مختص بالمشافهين كما بيناه في محله، فإذا ذكر المخاطب به أن مراده هو ما هو خلاف الظاهر فالظاهر اعتباره، ولا أقل
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»