دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ١٩١
بقي هنا أمور ينبغي التنبيه عليها.
الأول: أن المجوزين لنقل الحديث بالمعنى اشترطوا في جوازه أمورا تقدمت الإشارة إليها في صدر المقال.
أحدها: أن يكون الناقل عالما بمواقع الألفاظ ومعانيها بوضعها وبالقرائن الدالة على خلافه، قيل وهذا الشرط كما يعتبر بالنسبة إلى الكلام المنقول منه، كذلك يعتبر بالنسبة إلى الكلام المنقول إليه، والمراد من العلم بمواقع الألفاظ، العلم بمداليلها وبما يلزمها باعتبار الهيئات والأحوال سواء علم ذلك بمساعدة الطبع أو بإعمال القواعد المقررة، والظاهر منه اعتبار العلم التفصيلي فيتوجه عليه الإشكال بإمكان التعويل في ذلك على قول الثقة العارف بوحدة المفاد. فيصح الإسناد حينئذ مع انتفاء الشرط.
ويمكن التفصي عنه بأن يراد بالعلم ما يعم التفصيلي والاجمالي الذي في الفرض المذكور، فإن علم الناقل فيه بوحدة المفادين علم بمواقع تلك الألفاظ إجمالا أو يعتبر بالنسبة إلى الناقل من قبل نفسه كما هو الغالب. كذا في " الفصول ". وما في الذيل ليس تفصيا عن الإشكال بل التزاما به، ولعله أولى من الاعتذار بأعمية العلم من التفصيلي والإجمالي ضرورة بعد الالتزام بكون قوله: " قال " مع استفادة وحدة المفادين من قول الثقة العارف صرفا.
ثانيها: أن لا يقصر النقل عن إفادة المراد، يعني لا يكون النقل بحيث يظهر منه خلاف مراد المروي عنه كنقل المقيد بمطلق مجرد عن القيد، والحقيقة بمجاز مجرد عن القرينة. وأما مجرد القصور عن الإفادة ولو كنقل المبين بلفظ مجمل فلا دليل على منعه في غير مقام الحاجة بعد جواز تأخير البيان عن غير وقت الحاجة كما نبه على ذلك في الفصول، وينبغي تقييده بما إذا لم يؤد ذلك إلى اختفاء الحكم المبين عند الحاجة أيضا وإلا لكان ممنوعا منه لكونه إخفاء لحكم الله تعالى، وهو محظور بلا شبهة.
ثالثها: أن يكون مساويا للأصل في الخفاء والجلاء، وعلل بأن الخطاب الشرعي تارة يكون بالمحكم وأخرى بالمتشابه، لحكم وأسرار لا يصل إليها عقول البشر، فلو نقل أحدهما بلفظ الآخر أدى إلى فوات تلك المصلحة.
وناقش في ذلك الفاضل القمي - قدس سره - بعدم وضوحه لأن المتشابه
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»