القراءة على الشيخ، فإنه إذا قرء عليه شيئا من حديثه وأقر بأنه روايته عن فلان، جاز له أن يرويه عنه وإن لم يسمعه من لفظه ولم يقل له: اروه عني، أو أذنت لك في روايته عني، تنزيلا لهذا الإعلام منزلة من سمع غيره يقر بشئ، فله أن يشهد عليه به، وإن لم يشهده بل وإن نهاه. وكذا لو سمع شاهدا يشهد بشئ، فإنه يصير شاهد فرع وإن لم يستشهده ولأنه يشعر بإجازته له كما مر في الكتابة وإن كان أضعف منها.
سابعها: الوصية، وهي أن يوصي الشيخ عند موته أو سفره لشخص بكتاب يرويه ذلك الشيخ. وقد جوز بعض السلف كمحمد بن سيرين وأبي قلابة للموصى له روايته عنه بتلك الوصية لأن في دفعه له نوعا من الإذن وشبها من العرض والمناولة، وأنها قريبة من الإعلام، وأنها أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف، وهي معمولة بها عند جمع، فهذه أولى، ومنعه الأكثر لبعد هذا الضرب جدا عن الإذن وتشبيهه بالعرض والمناولة اشتباه، كما أن ما قيل من أن القول بالجواز إما زلة عالم أو متأول بإرادة الرواية على سبيل الوجادة التي تأتي، مما لا وجه له، لأن القائل بهذا النوع دون الوجادة موجود، ولما عرفت من عدم الخلاف في كونها أرفع من الوجادة، فلا وجه للتأويل بإرادة الرواية على سبيل الوجادة.
ثامنها: الوجادة، وهي - بكسر الواو - مصدر وجد يجد مولد غير مسموع من العرب الموثوق بعربيتهم. وفي البداية: " إنما ولده العلماء بلفظ الوجادة لما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة حيث وجدوا العرب قد فرقوا بين مصادر وجد للتميز بين المعاني المختلفة، فإنهم قالوا وجد ضالته وجدانا - بكسر الواو وإجدانا - بالهمزة المكسورة - ووجد مطلوبه وجودا، وفي الغضب موجدة وجدة، وفي الغني وجدا مثلث الواو، وجدة، وقرئ بالثلاثة في قوله تعالى " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " وفي الحب وجدا، فلما رأى المولدون مصادر هذا الفعل مختلفة بسبب اختلاف المعاني، ولدوا لهذا المعنى الوجادة للتميز ".
ثم إن هذا الضرب من أخذ الحديث وتحمله هو أن يجد إنسان كتابا أو حديثا بخط راو غير معاصر له كان أو معاصرا لم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه هذا الواجد