السقيفة أم الفتن - الدكتور الخليلي - الصفحة ٢٦
يمكن أن يتصوره العقل ويخدم الجماعة بما يلزمها، وقد راعى حقوق البشر لأقصى ما يمكن أن يتوخاه المفكرون من ذوي الألباب والرؤى الصائبة والآراء المتفوقة. فهو في عمره القصير وضع أسسا اجتماعية واقتصادية وأخلاقية في غاية المتانة، كما حدد القوانين الحقوقية والجزائية وأصول المعاملات والأحوال الشخصية. ولولا ما شابه من أفعال الانتهازيين المغرضين لأزال كل ما يورث التفرقة والشقاق والنفاق وأسس الضعف المادي والمعنوي، من خلال إيضائه بالبر والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولولا من خالف تلك الشريعة السمحاء وشوهها، وغير حدود الله في أوامره ونواهيه وسنن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لرأينا السلام والعدالة والمحبة تسود البشرية، ولكنهم طمسوا مبدأ العدالة والرفق والمحبة، وأحلوا الظلم والجور والإجحاف، وبدلوا وغيروا.
وطالما تغلب العقل البشري السليم وحكم بالصواب، صارخا بالناس مبشرا ومنذرا على لسان الحكماء والفلاسفة والأنبياء والرسل وقادة البشر، ذوي المنطق الصائب والإرادة المحكمة، متأثرين بما شاهدوه من الانحطاط العقلي والانجراف إلى الرذيلة، والظلم والاستهتار وتدهور الفكر الإنساني إلى وهدات الجهل والتعاسة، فخطبوا الجماهير، وأوضحوا لهم سبل الحياة وجاهدوا وضحوا في سبيل العدالة وإرجاع الفرد إلى وعيه وصوابه، فخلفوا تراثا من النظم المقدسة وسموا بالعقل البشري ما خلد ذكراهم، كسقراط وأفلاطون والفارابي وابن سينا، وبوذا وكونفوشيوس، وحكماء من الإغريق والإسلام والهند والصين، ومن الأنبياء كإبراهيم (عليه السلام) وموسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) وأخص منهم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم).
فحدد سقراط الفضيلة، والدولة المثلى، ووضع تلميذه أفلاطون جمهوريته، وكان الذي حثهم هو انحطاط الدولة وتغلب الرعاع باسم الديمقراطية، تسيرها شهواتهم، صدعوا بهذه الأفكار لإيجاد دولة مثلي يسعد فيها هذا البشر المتسافل إلى
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»
الفهرست