شيء كان على عنقه، ولا أي شيء سقط منها؛ لهوانها عليهم، فهم الخفي عيشهم، المنتقلة ديارهم من أرض إلى أرض، الخميصة بطونهم من الصيام، الذابلة (1) شفاههم من التسبيح، العمش العيون من البكاء، الصفر الوجوه من السهر، فذلك سيماهم مثلا ضربه الله (2) في الإنجيل لهم؛ وفي التوراة والفرقان والزبور والصحف الأولى، وصفهم، فقال: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل) (3) عنى بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل.
هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر (4)، المؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم الله، فقال: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (5) فازوا - والله - وأفلحوا، إن رأوا مؤمنا أكرموه، وإن رأوا منافقا هجروه.
إذا جنهم الليل اتخذوا أرض الله فراشا، والتراب وسادا، واستقبلوا بجباههم الأرض يتضرعون إلى ربهم في فكاك رقابهم من النار، فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس لم يشر إليهم بالأصابع. تنكبوا الطرق، واتخذوا الماء طيبا وطهورا. أنفسهم متعوبة، وأبدانهم مكدودة (6)، والناس منهم في راحة.
فهم عند الناس شرار الخلق، وعند الله خيار الخلق؛ إن حدثوا لم يصدقوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفقدوا (7). قلوبهم خائفة وجلة من الله، ألسنتهم مسجونة (8)، وصدورهم وعاء لسر الله؛ إن وجدوا له أهلا نبذوه إليه