الحذاقة واللباقة، فإن لبعض الألفاظ والجمل سلطانا لا يضعفه العقل ولا يؤثر فيه الدليل. ألفاظ وجمل يفوه بها الخطيب خاشعا أمام الجمهور، فلا تكاد تخرج من فيه حتى تعلو الوجوه هيبتها وتعنو القلوب لها احتراما كأن فيها قوة إلهية أو موجة سحرية، فتثير تارة في النفوس أشد الصواعق من الغضب، وتسكنها تارة إذا جاشت فتمزق أشلاءها وتقودها إلى حيث يريد المتكلم راضية قانعة (1).
ويظهر أن عمر أيضا أدرك حقيقة الموقف وكيف قد ربحه المهاجرون فلم يبق إلا أن يصدر أحدهم الحكم الفاصل في تعيين من يبايع منهم، فأقدم على بيعة أبي بكر - كما رأيناه - غير متردد ولا متخوف ولا مستشير، ومد يده مسرعا. وإلا فإن الأمر أعظم من أن يتم بهذه السرعة والسهولة التي كانت: بإقدام شخص واحد يعقد البيعة لشخص آخر الظاهر ظهور الشمس أنه صاحبه المنحاز إليه في وقت هو أحد ثلاثة أو أربعة من الحزب المعارض لقوم في عقر دارهم معتزين بقوتهم يريدون أن يملكوا أعظم سلطان لأعظم أمة، وهو لم يأخذ رأيهم وتصديقهم على ما أراد (2).