وقد رأينا السرعة التي جرت بالحادث لم تبق مجالا للمفكر أن يشحذ فكره ولا للمعارض أن يقيم حجته، فكانت مفاجأة في مفاجأة. مع أن العاطفة العدائية عند الأوس المهيجة من أبي بكر كان لها الأثر الفعال في تقريب النتيجة، وساعدها بل أشعل أوارها إن المجتمعين انطبعت فيهم أوصاف الجماعة الاجتماعية، مما يذهب عنهم صحة الاختيار والحكم.
فلا بدع إذا لم يثق الباحث المفكر باختيار جماعة السقيفة، ولا يغتر به دليلا على صحة هذه الطريقة من البيعة في الإسلام. وقد أشرنا في الفصل الأول إلى أن عمر نفسه قال عنها: " فمن دعا إلى مثلها فهو الذي لا بيعة له ولا لمن بايعه ".
ولا غرابة أيضا إذا لم يدافع أحد عن النص على علي بن أبي طالب، وقد اندفع المجتمعون بتيار جارف لا يقف في سبيله شئ، ونحن نعرف رأي المهيمنين على الاجتماع في علي، وهم يبتعدون أن يتم له شئ من ذلك. أفتراهم يدعون إليه في هذا المجتمع الذي أسس على الإعراض عن النص فيه. وإذا قال بعد ذلك بعض الأنصار أو كلهم " لا نبايع إلا عليا " كما سبق فقد قلنا إن ذلك بعد خراب البصرة، فإن هذا الجمهور أصبح لا يملك اختياره وتفكيره وشعوره بواجبه الديني لما قلناه من تكهربه بتيار تلك القوة السحرية