وهذه مهاترة يلتجأ إليها ضعف الحجة وشدة الغضب، فترى الحباب في كل ذلك كان قلق الوضين يرسل من غير سدد، وتتضوع من فمه رائحة نفسه، ولا يعرف أن يسر حسوا في ارتغاء. فاقتحم في الميدان بجنان الفارس المدله المدل بقوته ونفسه، ومن سيفه ولسانه تنطف دعوى الجاهلية الأولى البشعة في الإسلام، تأباها عليه الصبغة الدينية المصطبغ بها المجتمع يومئذ، وهو في الدرجة الأولى متأثر بالإسلام وتعاليمه، وللشعور الديني المكان الأول في تأثر الجماعات الدينية وانفعالاتها، فما لم يستخدم هذا الشعور لا يرجى أن يحدث في الجماعة التعصب الذي يجعل الإنسان يرى سعادته في التضحية بنفسه وبكل عزيز فداء للمقصد الذي يوجه إليه.
فالحباب إن تولى الدفاع عن سعد وقومه نصرة لهم فهو الذي أفسد عليهم أمرهم أكثر من أي شخص آخر من حيث يظن الصلاح وبدلا من أن يقود المجتمعين للغرض الذي اجتمعوا لأجله قد خسرهم وأعطى القيادة - من حيث لا يشعر - لغيره الذي عرف كيف تؤكل الكتف في استمالتهم واستعمال نفوذه فيهم. وكان أول ظهور هذه الخسارة قيام ابن عمه بشير بن سعد الخزرجي، فنقض على الخزرج ما أجمعوا عليه فقال:
" يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولى فضيلة في جهاد