بسبب إعطائهم لا ينقطع بذلك، بل ربما اشتد بقوة سلطان الإسلام، وكفى بهذا الأمل موجبا لتألفهم بالعطاء. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يؤلف بعطائه هذا أصنافا متعددة، صنفا ليسلموا ويسلم قومهم بإسلامهم، وصنفا كانوا قد أسلموا ولكن على ضعف الإيمان فيريد تثبيتهم بإعطائه، وصنفا يعطيهم لدفع شرهم فلو فرضنا أنا أمنا شر أهل الشر منهم، فليعط هذا الحق لمن يرجى إسلامه، أو إسلام قومه، ولمن يقوي إيمانه ويثبته الله عليه بسبب هذا العطاء، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله. وأحب العباد إلى الله تعالى المتأسي بنبيه والمقتص أثره.
على أن قوة الإسلام تلك التي قهرت عدو المسلمين وأمنتهم من شره قد تغيرت إلى الضد مما كانت عليه. فاستحوذت عليهم الأجانب فاضطرتهم إلى تألفها ومصانعتها بالعطاء وغيره، كما هو المشاهد العيان في هذا الزمان وما قبله، وبهذا تبين أن إسقاط سهم المؤلفة قلوبهم يوم كان الإسلام قويا، إنما كان عن اغترار بحالتهم الحاضرة في ذلك الوقت، لكن القرآن العظيم إنما هو من لدن عليم حكيم (1).
والآن نستأنف البحث عن النص المطلق وتقييده بالمصلحة التي تختلف باختلاف الأزمان، فيختلف الحكم الشرعي باختلافها. نبحث عن هذا الأصل من حيث شروطه.
فنقول: نحن الإمامية إجماعا وقولا واحدا لا نعتبر المصلحة في تخصيص عام ولا في تقييد مطلق إلا إذا كان لها في الشريعة نص خاص يشهد لها بالاعتبار فإذا لم يكن لها في الشريعة أصل شاهد باعتبارها إيجابا أو سلبا كانت عندنا مما لا أثر له، فوجود المصالح المرسلة وعدمها عندنا على حد سواء (66).