(وإني خفت الموالي من ورائي) وإنما يطلب وارثا لأجل خوفه، ولا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون النبوة والعلم، لأنه عليه السلام كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبيا من هو ليس بأهل للنبوة، وأن يورث علمه وحكمته من ليس لهما بأهل ولأنه إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس، فكيف يخاف الأمر الذي هو الغرض في بعثته.
فإن قيل: هذا يرجع عليكم في وراثة المال لأن في ذلك إضافة البخل إليه.
فالجواب: معاذ الله أن يستوي الأمران، فإن المال قد يرزقه المؤمن والكافر والصالح والطالح، ولا يمتنع أن يأسى على بني عمه إذ كانوا من أهل الفساد أن يظفروا بماله فيصرفوه فيما لا ينبغي، بل في ذلك غاية الحكمة، فإن تقوية أهل الفساد، وإعانتهم على أفعالهم المذمومة محظورة في الدين والعقل فمن عد ذلك بخلا فهو غير منصف.
وقوله: (خفت الموالي من ورائي) يفهم منه أن خوفه إنما كان من أخلاقهم وأفعالهم، والمراد خفت الموالي أن يرثوا بعدي أموالي فينفقوها في معاصيك فهب لي يا رب ولدا رضيا يرثها لينفقها فيما يرضيك.
وبالجملة لا بد من حمل الإرث في هذه الآية على إرث المال دون النبوة وشبهها حملا للفظ يرثني من معناه الحقيقي المتبادر منه إلى الأذهان، إذ لا قرينة هنا على النبوة ونحوها، بل القرائن في نفس الآية متوفرة على إرادة المعنى الحقيقي دون المجاز.
وهذا رأي العترة الطاهرة في الآية (88). وهم أعدال الكتاب لا يفترقان أبدا.