القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع - الأصبهاني - الصفحة ٢٣٢
يطعنون في أبي هريرة، قال: وأما أصحاب الرأي فان أمرهم في باب الخبر والقياس عجيب، فتارة يرجحون القياس على الخبر، وتارة بالعكس.
أما الأول: فهو أن مذهبنا، أن التصرية سبب مثبت للرد، وعندهم ليس كذلك، ودليلنا: ما أخرج في الصحيحين عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد، فإنه يخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثا ان رضيها أمسكها وان سخطها ردها، ورد معها وصاعا من تمر (1).
واعلم أن الخصوم لما لم يجدوا لهذا الخبر تأويلا البتة بسبب، أنه مفسر في محل الخلاف، اضطروا إلى أن يطعنوا في أبي هريرة، وقالوا: انه كان متساهلا في الرواية، وما كان فقيها، والقياس على خلاف هذا الخبر، لأنه يقتضي تقدير خيار العيب بالثلاث، ويقتضي تقويم اللبن بصاع من تمر من غير زيادة ولا نقصان، ويقتضي اثبات عوض في مقابلة لبن حادث بعد العقد، فهذه الاحكام مخالفة للأصول فوجب رد ذلك الخبر لأجل القياس.
وذكر ابن حجر في فتح الباري في كتاب البيوع: أنه قال الحنابلة: واعتذر الحنفية عن الأخذ بحديث المصراة باعذار شتى، فمنهم من طعن في الحديث لكونه من رواية أبي هريرة، ولم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة، فلا يؤخذ بما رواه مخالفا للقياس الجلي (2).

1. صحيح البخاري كتاب البيوع، باب النهي للبايع أن لا يحفل الإبل... رقم 2148 و 2150.
2. فتح الباري، كتاب البيوع 4: 290.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست