به أي صاح به ودعاه، والأول أظهر " وتصرخ بالموت " الصرخة الصيحة الشديدة، وتطلق غالبا على صوت معه جزع واستغاثة في المصائب والنوائب ويناسب الموت، وهذه الفقرة أيضا يحتمل المعينين وإن كان الثاني فيها أبعد، ويحتمل أن يكون المراد بالهتف والصراخ ما يكون عند موت الأحباب وغيرهم، ويكون المجاز في الاسناد في أصل الصراخ، أي كانت تمنينا البقاء ثم تفجعنا بالنوائب فتصرخ فيها أصحاب المصائب فيؤذننا بذلك بالموت والفناء.
وفي النهج (1): ألا وإن الدنيا قد تصرمت وآذنت بوداع، وتنكر معروفها وأدبرت حذاء، فهي تحفز بالفناء سكانها، وتحدو بالموت جيرانها " وحذاء في كثير من النسخ بالحاء المهملة أي خفيفة سريعة، وفي بعضها بالجيم أي مقطوعة أو سريعة، وقيل أي منقطعة الدر والخير، وحفزه بالحاء المهملة والفاء والزاي دفعه من خلفه وحثه وأعجله، وحفزه بالرمح أي طعنه، وعلى الأول لعله عليه السلام شبه الفناء بالمقرعة أو الباء للسببية، أو بمعنى إلى، والأوسط أظهر.
" وتحدو " أي تبعث وتسوق من الحد، وهو سوق الإبل، والغناء لها، و الجار المجاور، والذي أجرته من أن يظلم، ولعل الأخير هنا أنسب، ويمكن أن يراد بالجيران من كانت انتفاعهم بالدنيا أو ركونهم إليها أقل، بالسكان خلافهم فناسب التعبير بالمجاور.
وفي الفقيه: ألا ترون قد تصرمت وآذنت بانقضاء، وتنكر معروفها وأدبرت حذاء، فهي تخبر بالفناء وساكنها يحدى بالموت، فقد أمر منها ما كان حلوا وكدر منها ما كان صفوا فلم يبق منها إلا سملة كسملة الأدواة وجرعة كجرعة الاناء، لو تمززها الصديان لم تنقع غلته.
وفي النهج وقد أمر وساق كما في الفقيه إلى قوله أو جرعة كجرعة المقلة لو تمززها الصديان لم ينقع فأزمعوا ".
وأمر الشئ صار مرا، وكدر مثلثة الدال ضد صفا، والمضبوط في نسخ النهج