ثم حق مستنصحك، ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر منك، ثم حق من هو أصغر منك، ثم حق سائلك، ثم حق من سألته، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد منه ثم حق أهل ملتك عامة، ثم حق أهل الذمة، ثم الحقوق الحادثة بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده.
فأما حق الله الأكبر فإنك تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منها.
وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه وتستعين بالله على ذلك.
وأما حق اللسان فاكرامه عن الخنى، وتعويده الخير، وحمله على الأدب وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا، وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها، ويعد شاهد العقل، والدليل عليه وتزين العاقل بعقله [و] حسن سيرته في لسانه ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسبك خلقا كريما فإنه باب الكلام إلى القلب يودي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ولا قوة إلا بالله.
وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك، وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة، تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما، فان البصر باب الاعتبار.
وأما حق رجليك فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، ولا تجعلها مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها، فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين، والسبق لك ولا قوة إلا بالله.
وأما حق يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة