تحبه ولا تمله مع طول الصحبة وتكره مفارقته، وذلك لتوقف كمالاتها ولذاتها العقلية والحسية عليه، فإنها في مبدأ خلقتها خالية عن الصفات الفاضلة كلها، فاحتاجت إلى آلات تعينها على اكتساب تلك الكمالات، وإلى أن تكون تلك الآلات مختلفة فيكون لها بحسب كل آلة فعل خاص، حتى إذا حاولت فعلا خاصا كالا بصار مثلا التفتت إلى العين فتقوى بها على الابصار التام، وكذا الحال في سائر الأفعال، ولو اتحدت الآلة لاختلطت الأفعال ولم يحصل لها شئ منها على الكمال. وإذا حصلت لها الإحساسات توصلت منها إلى الادراكات الكلية، ونالت حظها من العلوم والاخلاق المرضية، وترقت إلى لذاتها العقلية، بعد احتظائها باللذات الحسية، فتعلقها بالبدن على وجه التدبير كتعلق العاشق في القوة بل أقوى منه بكثير. وإنما تتعلق من البدن أولا بالروح القلبي المتكون في جوفه الأيسر من بخار الغذاء ولطيفه، فإن القلب له تجويف في جانبه الأيسر يجذب إليه لطيف الدم فيبخره بحرارته المفرطة فذلك البخار هو المسمى بالروح عند الأطباء، وعرف كونه أول متعلق للنفس بأن شد الأعصاب يبطل قوى الحس والحركة عما وراء موضع الشد، ولا يبطلهما مما يلي جهة الدماغ. وأيضا التجارب الطبية تشهد بذلك وتفيد النفس الروح بواسطة التعلق قوة بها يسري الروح إلى جميع البدن، فيفيد الروح الحامل لتلك القوة كل عضو قوة بها يتم نفعه من القوى التي فصلناها فيما قبل، وهذا كله عندنا للقادر المختار ابتداء ولا حاجة إلى إثبات القوى كما مر مرارا (انتهى).
وقال المحقق القاساني في روض الجنان: اعلم أن المذاهب في حقيقة النفس كما هي الدائرة في الألسنة والمذكورة في الكتب المشهورة أربعة عشر مذهبا:
الأول: هذا الهيكل المحسوس المعبر عنه بالبدن. الثاني: أنها القلب أعني العضو الصنوبري اللحماني المخصوص.
الثالث: أنها الدماغ.
الرابع: أنها أجزاء لا تتجزأ في القلب، وهو مذهب النظام ومتابعيه.
الخامس: أنها الأجزاء الأصلية المتولدة من المني.