يقال: سبت شعره إذا حلقه، وهو يرجع إلى معنى القطع، والنعال السبتية: التي لا شعر عليها [قال عنترة:
بطل كان ثيابه في سرحة * يحذي نعال السبت ليس بتوأم] ويقال لكل أرض مرتفعة منقطعة مما حولها " سبتاء " وجمعها سباتي. فيكون المعنى على هذا الجواب: جعلنا نومكم قطعا لاعمالكم وتصرفكم. ومنها: أن يكون المراد بذلك: إنا جعلنا نومكم سباتا ليس بموت، لان النائم قد يفقد من علومه وقصوده وأحواله أشياء كثيرة يفقدها الميت، فأراد سبحانه أن يمتن علينا بأن جعل نومنا الذي يضاهي فيه بعض أحوالنا أحوال الميت ليس بموت على الحقيقة ولا يخرج لنا عن الحياة والادراك، فجعل التأكيد بذكر المصدر قائما مقام نفي الموت وسادا مسد قوله: وجعلنا نومكم ليس بموت. ويمكن في الآية وجه آخر لم يذكر فيها هو أن السبات ليس هو كل نوم، وإنما هو من صفات النوم إذا وقع على بعض الوجوه، والسبات هو النوم الممتد الطويل السكون، ولهذا يقال فيمن وصف بكثرة النوم: إنه مسبوت وبه سبات ولا يقال ذلك في كل نائم، وإذا كان الامر على هذا لم يجر قوله تعالى " وجعلنا نومكم سباتا " مجرى أن يقول: وجعلنا نومكم نوما. والوجه في الامتنان علينا بأن جعل نومنا ممتدا طويلا ظاهر، وهو لما في ذلك لنا من المنفعة والراحة، لان التهويم والنوم الغرار لا يكسبان شيئا من الراحة، بل يصحبهما في الأكثر القلق والانزعاج، والهموم هي التي تقلل النوم وتنزره، وفراغ القلب ورخاء البال تكون معهما غزارة النوم وامتداده، وهذا واضح.
قال السيد - قدس الله روحه -: وجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري يطعن على الجواب الذي ذكرناه أولا ويقول: إن ابن قتيبة أخطأ في اعتماده، لان الراحة لا يقال لها: سبات، ولا يقال: سبت الرجل بمعنى استراح وأراح، ويعتمد على الجواب الذي ثنينا بذكره، ويقول في ما استشهد به ابن قتيبة من قوله " سبتت المرأة شعرها أن معناه أيضا القطع، لان ذلك إنما يكون بإزالة الشداد الذي كان مجموعا به