الحكاية السابعة والخمسون في كتاب المقامات للعالم الجليل المحدث السيد نعمة الله الجزائري حكاية أخرى: حدثني رجل من أوثق إخواني في شوشتر في دارنا القريبة من المسجد الأعظم قال: لما كنا في بحور الهند تعاطينا عجائب البحر، فحكى لنا رجل من الثقات قال: روى من أعتمد عليه أنه كان منزله في بلد على ساحل البحر، وكان بينهم وبين جزيرة من جزائر البحر مسير يوم أو أقل، وفي تلك الجزيرة مياههم وحطبهم وثمارهم، وما يحتاجون إليه، فاتفق أنهم على عادتهم ركبوا في سفينة قاصدين تلك الجزيرة، وحملوا معهم زاد يوم.
فلما توسطوا البحر، أتاهم ريح عدلهم عن ذلك القصد، وبقوا على تلك الحالة تسعة أيام حتى أشرفوا على الهلاك من قلة الماء والطعام، ثم إن الهوى رماهم في ذلك اليوم على جزيرة في البحر، فخرجوا إليها وكان فيها المياه العذبة والثمار الحلوة، وأنواع الشجر، فبقوا فيها نهارا ثم حملوا منها ما يحتاجون إليه وركبوا سفينتهم، ودفعوا.
فلما بعدوا عن الساحل، نظروا إلى رجل منهم بقي في الجزيرة فناداهم ولم يتمكنوا من الرجوع فرأوه قد شد حزمة حطب، ووضعها تحت صدره، وضرب البحر عليها قاصدا لحوق السفينة، فحال الليل بينهم وبينه وبقي في البحر.
وأما أهل السفينة، فما وصلوا إلا بعد مضي أشهر، فلما بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلك الرجل فأقاموا مأتمه، فبقوا على ذلك عاما أو أكثر، ثم رأوا أن ذلك الرجل قدم إلى أهله، فتباشروا به، وجاء إليه أصحابه فقص عليهم قصته.
فقال: لما حال الليل بيني وبينكم بقيت تقلبني الأمواج وأنا على الحزمة يومين حتى أوقعتني على جبل في الساحل، فتعلقت بصخرة منه، ولم أطق الصعود إلى جوفه لارتفاعه، فبقيت في الماء وما شعرت إلا بأفعى عظيمة، أطول من المنار