الحكاية الثالثة والخمسون وفيه ومن ذلك ما حدثني به رجل من أهل الايمان من أهل بلادنا، يقال له: الشيخ قاسم، وكان كثير السفر إلى الحج قال: تعبت يوما من المشي، فنمت تحت شجرة فطال نومي ومضى عني الحاج كثيرا فلما انتبهت علمت من الوقت أن نومي قد طال وأن الحاج بعد عني، وصرت لا أدري إلى أين أتوجه، فمشيت على الجهة وأنا أصيح بأعلى صوتي: يا با صالح قاصدا بذلك صاحب الأمر عليه السلام كما ذكره ابن طاوس في كتاب الأمان فيما يقال عند إضلال الطريق.
فبينا أنا أصيح كذلك وإذا براكب على ناقة وهو على زي البدو، فلما رآني قال لي: أنت منقطع عن الحاج؟ فقلت: نعم، فقال: اركب خلفي لألحقك بهم فركبت خلفه، فلم يكن إلا ساعة وإذا قد أدركنا الحاج، فلما قربنا أنزلني وقال لي: امض لشأنك! فقلت له: إن العطش قد أضر بي فأخرج من شداده ركوة فيها ماء، وسقاني منه، فوالله إنه ألذ وأعذب ماء شربته.
ثم إني مشيت حتى دخلت الحاج والتفت إليه فلم أره، ولا رأيته في الحاج قبل ذلك، ولا بعده، حتى رجعنا.
قلت: إن الأصحاب ذكروا أمثال هذه الوقائع في باب من رآه عليه السلام بناء منهم على أن إغاثة الملهوف كذلك في الفلوات، وصدور هذه المعجزات والكرامات لا يتيسر لأحد إلا لخليفة الله في البريات، بل هو من مناصبه الإلهية كما يأتي في الفائدة الأولى، وأبو صالح كنيته عند عامة العرب، يكنونه به في أشعارهم، ومراثيهم وندبهم، والظاهر أنهم أخذوه من الخبر المذكور وأنه عليه السلام المراد من أبي صالح الذي هو مرشد الضال في الطريق، ولو نوقش في ذلك وادعي إمكان صدورها من بعض الصلحاء والأولياء فهو أيضا يدل على المطلوب إذ لا يستغيث شيعته ومواليه عليه السلام إلا من هو منهم، وواسطة بينهم وبين إمامهم الغائب عنهم، بل هو من رجاله وخاصته وحواشيه وأهل خدمته، فالمضطر رأى من رآه عليه السلام.