يا إسحاق أن من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
إنها يا ابن إسماعيل ليس تعمى الابصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وذلك قول الله عز وجل في محكم كتابه للظالم، رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا " قال الله عز وجل " كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى " (1) وأي آية يا إسحاق أعظم من حجة الله عز وجل على خلقه، وأمينه في بلاده، و شاهده على عباده، من بعد ما سلف من آبائه الأولين من النبيين وآبائه الآخرين من الوصيين، عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته.
فأين يتاه بكم؟ وأين تذهبون كالانعام على وجوهكم؟ عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون، أو تكذبون، فمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غير كم إلا خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب الآخرة الباقية، وذلك والله الخزي العظيم.
إن الله بفضله ومنه لما فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم، بل رحمة منه لا إله إلا هو عليكم، ليميز الله الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدور كم، وليمحص ما في قلوبكم ولتألفوا (2) إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنته.
ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، و الولاية، وكفا بهم لكم بابا ليفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحا إلى سبيله، ولولا محمد صلى الله عليه وآله والأوصياء من بعده لكنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل يدخل قرية إلا من بابها.
فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيه، قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله