شئ منها، لأن المقصود من إعلام أن الغرض من الإرسال هو الإطاعة، إيجاب الإطاعة على المرسل إليهم، لا مجرد أن الغرض هو الإطاعة.
وقال الفخر الرازي: إن ظاهر اللفظ يوهم العموم، ولعلهم إنما فهموا ذلك، لأن المضارعة تفيد الاستمرار الزماني، ولا قائل بأن إطاعة النبي في كل زمان واجب وإن لم يجب في جميع الأوامر، لكن ذلك لا يوجب أن يكون ظاهر اللفظ ذلك، وإنما يستلزم وجوب الإطاعة على وجه العموم في الواقع.
أو يقال: نزل الأوامر الجزئية منزله في أجزاء الزمان. فأريد بما يدل على عموم الثاني عموم الأول، كما أنه يراد بالدوام والأبدية عموم الأفراد وبما يدل على تبعيض الأوقات تبعيض الأفراد.
وفيه أن ذلك مجاز غير ظاهر، ودعوى ظهوره بعيد. والتحقيق أن الطاعة ضد المعصية، والمعصية المضافة إلى الأمر تصدق بمخالفته ولو من وجه، والمضافة إلى الشخص الآمر تصدق بمخالفة أمر واحد من أوامره، فالطاعة للأمر هو عدم مخالفته بوجه من الوجوه، وللشخص الآمر هو عدم مخالفته في شئ من أوامره، ولهذا كانوا يكتفون في إعطاء القيادة للأمراء والتسليم لهم بأنا سامعون لك مطيعون من غير تعميم لمطلق الطاعة. وقولهم: أطعناه في الأمر الفلاني دون غيره، مجاز خلاف الظاهر.
ويؤيده أنهم استدلوا بقوله تعالى: (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) [59 / المائدة: 5]. وبقوله تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله) [31 / آل عمران: 3] على مسألة التأسي، ولولا العموم لم يصح هذا الاستدلال.
العاشر: قوله تعالى: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى ي إلي) [15 / يونس: 10] وتقرير الاستدلال به على نمط الاستدلال بقوله تعالى: (إن هو إلا وحي يوحى) [3 / النجم: 53. كما سبق [في الوجه الأول].