وانفرادهما بهذه الفضيلة وإصرارهما على هذا القول الذي يرويه الناس في معرض مدحهما ويعدونه من فضائلهما، مما تأباه القريحة السليمة، أفلا قال صلى الله عليه وآله: إنما أنا مثلكم أخطئ وأصيب، كما آكل وأشرب وأمشي في الأسواق!؟
ومن علم عادته وتتبع سيرته صلى الله عليه وآله لم يثنه ريب ولم يختلجه شك في أنه لو كان ما قالوا مما له مساغ في طريق الصدق، لم يهمل النبي صلى الله عليه وآله أمره، ولا أغفل عن أن يهدي الناس إليه، لكن الإنصاف ارتحل من البين، والعصبية أرخت سدول الغشاوة على العين.
[الوجه] التاسع عشر: مما يدل على ذلك احتجاج أبي بكر على الأنصار يوم السقيفة كما رووه بقوله: (الأئمة من قريش ". وتسليم الأنصار الأمر إليه، وانكسارهم بذلك عن سورتهم، فما بالهم لم يقابلوا حجته بأن يقولوا: أي دليل في هذا لك وقد علمت أنه صلى الله عليه وآله ربما يقول القول عن رأي واجتهاد وطالما أخطأ ورجع فلا حجة في ذلك ولا يصلح؟! خصوصا فيما يتعلق بالولاية والزعامة، فإنه قلما يكون عن وحي سماوي وتنزيل إلهي، مع شدتهم في أمرهم ووصيتهم فيما بينهم بأن شدوا على أيديكم ولا تملكوا أمركم أحدا. حتى أن حبابا كان قد قبض على قبيعة سيفه، وكان سعد طول حياته يعترض ويصرح ببطلان أمرهما ويلمح بالتغلب والعدوان إليهما ويتلظى كبده عليهما، وجميع الأنصار كان شأنهم ذلك وحالهم هذا إلا قليلا منهم، وما قالوا في هذا الباب وحفظ عنهم من النظم والنثر مشهور، وفي السير والتواريخ مذكور. وكيف غفلوا عن هذا التوهين القوي لحجتهم؟ هب أنهم عن آخرهم أخذتهم الغرة، وغشيتهم الغفلة في أول الوهلة وبادي الأمر، فهلا استدركوا ثانيا واحتجوا مرة أخرى؟
العشرون: قول أبي بكر: " أقول في الكلالة برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان ". فإن