فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية! أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله ويخبرني عن رأيه؟ لا أساكنك بأرض أبدا.
دل كلام [أبي الدرداء هذا] على أن مقابلة النص بالرأي غير مشروع، ولم يخصص في إنكاره بالأحكام، بل أطلقه بحيث يتناول الحروب وغيرها، ولو كان هناك فرق بين خبر وخبر ورأي ورأي، لما صح له الإطلاق.
التاسع والعشرون: أن عمر كان يرى أن الدية للورثة ولم يملكها الزوج فلا ترث الزوجة منها، فأخبر أن الرسول صلى الله عليه وآله أمر بتوريثه منها، وهو خبر الضحاك بن سفيان بأنه كتب النبي بتوريثها من الدية.
قال الآمدي: ترك [عمر] اجتهاده في منع ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الواحد وقال: أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا كثيرا.
وهذا، وإن كان مورده الميراث إلا أن فحوى الكلام هجر الرأي بخبر الواحد مطلقا، وهذه الأخبار مما استدل به العلماء في كتب الأصول على أحكام خبر الواحد.
الثلاثون: ما روي أن عمر جاء رسولا إلى أبي بكر من قبل أعيان الجيش، فاستأذنه في رجوع أسامة متعللا بأن معه من وجوه الناس، ولا نأمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وحرمه وحرم المسلمين أن يتخطفهم المشركون حول المدينة. فقال أبو بكر: لو تخطفني الكلاب والذئاب لم أرد قضاءا قضى به رسول الله صلى الله عليه.
ولما أدى إليه [عمر] رسالة الأنصار وسؤالهم أن يولي عليهم أحدا أقدم سنا من أسامة وثب من مكانه - وكان جالسا - وأخذ بلحية عمر بن الخطاب فجرها وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه!؟