الصحابة ولا في زمن التابعين إلى عصرنا هذا، مع تكرر ذلك النقل في كتب السير والتواريخ، وفي كتب الأصول في مقام الاستدلال على مسائل من الاجتهاد المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وآله؟
ولولا أن الوحي لا يجوز فيه الخطأ ولا يطلق شرعا على ما لا يؤمن معه الغلط، ويجوز مخالفته، لاستحال عادة أن لا ينكر أحد على هذا القول، ولا يقدح فيه، مع توفر الدواعي على القدح والرد عليه، حيث استدل به على محل النزاع في مسائل كثيرة قد طال لخصام فيها، وذلك مما يقطع به في عادات الناس، خصوصا الممارسين لمباحث الحجاج والنظر ومسائل الخلاف، وقد رأيناهم يرتكبون تأويلات بعيدة وتكلفات باردة. فأين كانوا عن القدح المذكور؟
وبالجملة، ما ذكرناه دليل على أنهم علموا صحة ذلك التقسيم، إما بتقرير النبي صلى الله عليه وآله، أو بدليل آخر، فلا يتوهم أن ما ذكرناه ثانيا راجع إلى الأول.
[الوجه] الثاني: قوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) [63 / الأحزاب: 33].
والمراد، قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله، ونسبته إليه تعالى للتنبيه على أن قضاءه صلى الله عليه وآله قضاء الله كما ذكره المفسرون، وكل ما قاله النبي صلى الله عليه وآله ولو بالاجتهاد، فمما قضى به، فلا يجوز العدول عنه ومخالفته، وتخصيص الخيرة بما يكون بمجرد التشهي لا عن اجتهاد، وكذا المعصية لا وجه له، وإنما هو مجرد تشهي التأويل، والانصراف عن الظاهر، ومعصية لسنة الأخذ بظواهر الكتاب والسنة بلا قرينة تقتضيه وشاهد يشهد له.
[الوجه] الثالث: قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما