بخلاف أمره صلى الله عليه وآله تصويب لمخالفة أمر الله عز وجل في إيجاب طاعة رسوله صلى الله عليه وآله، وبطلانه واضح، وإفادة أمثال تلك الأوامر للعموم قد تبين في الأدلة السابقة.
الثامن عشر: مما يدل على بطلان الاجتهاد على الوجه الذي يجوز مخالفته، أن أبا بكر وعمر كانا يقولان بأن حكمهما ربما كان خطأ، وربما كان صوابا، ويلتمسان من الصحابة وسائر من حضرهما أن ينبهوهما على الخطأ، ولا يقرروا ولا يداهنوا، ولقد كانت المداهنة من القوم في شأنهما والإغضاء على خطئهما أقل بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله، والاحتشام منهم لهما دون الاحتشام له صلى الله عليه وآله، وتوهم تحتم الصواب ووجوب الصحة في قوله تعالى وفعله صلى الله عليه وآله أكثر، لا سيما بعد ما تقرر وتكرر أنه صلى الله عليه وآله لا يفعل عن شهوة، ولا يقول عن هوى، وإنما كلامه صلى الله عليه وآله حكم، ونطقه فصل، وقوله عدل، وشهدت له بذلك الآيات المنزلة والسور المتلوة، ولم يكن التوهم ي شأنهما بهذه المثابة ولا لهما هذه الأسباب والدواعي، كيف وفي حقه صلى الله عليه وآله نزل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [7 / الحشر: 59] ونهى عن معصيته وأوعد على مشاقته ومحاقته، ولا شئ من ذلك فيهما ولا لهما، فكان النبي صلى الله عليه وآله أحق وأحرى بأن ينبه على أن قوله ربما يباين الصواب، ويخطئ من إصابة الحق، وكيف أهمل صلى الله عليه وآله طول هذه المدة المديدة وأضاع في تلك الأزمنة المتطاولة أن يجنب أمته اتباع الباطل، ويحذرهم الاقتداء بغير الحق، ويصونهم عن الإصرار على ما لا ينبغي ويخالف حكم الله، وقد وفق له أبو بكر وعمر واهتديا إليه السبيل.
ولو قال قائل: إن هذا التنبيه والإيماء كان أولى ولم يكن واجبا، كان الدليل قائما والحجة مستقيمة أيضا، لأن ترك النبي صلى الله عليه وآله هذا الأولى والأليق والشفقة على الأمة والنظر لها، واختصاصهما بهذه المنزلة