يوم الحساب فطيبوا عن أنفسكم أنفسا وطوا واطروا عن الحياة كشحا (1) وامشوا إلى الموت مشيا وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان عليه اللعنة راكد في كسره نافج حضنيه ومفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا فصمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
قال: وأقبل معاوية في الكتيبة الشهباء وهي زهاء عشرة آلاف بجيش شاكين في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق تحت المغافر فقال عليه السلام:
ما لكم تنظرون بما تعجبون؟ إنما هم جثث ماثلة فيها قلوب طائرة مزخرفة بتمويه الخاسرين ورجل جراد زفت به ريح صبا ولفيف سداه ولحمته الضلالة: وصرخ بهم ناعق البدعة وفيهم خور الباطل وضحضحة المكاثر فلو قد مسها سيوف أهل الحق لتهافتت تهافت الفراس في النار ألا فسووا بين الركب، وعضوا على النواجذ واضربوا القوابض بالصوارم واشرعوا الرماح في الجوانح وشدوا فإني شاد حم لا ينصرون.
فحملوا حملة ذي لبد فأزالوهم عن مصافهم ودفعوهم عن أماكنهم ورفعوهم عن مراكبهم وارتفع الرهج وخمدت الأصوات فلا يسمع إلا صلصلة الحديد وغمغمة الابطال ولا يرى إلا رأس نادر ويد طائحة وأنا كذلك إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام من موضع يريد أن ينجلي من الغبار وينفذ العلق من ذراعيه سيفه يقطر الدماء وقد انحنى كقوس النازع وهو يتلو هذه الآية: * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) * [9 / الحجرات: 49] فما رأيت قتالا أشد من ذلك اليوم.
يا بني إني أرى الموت لا يقلع ومن مضى لا يرجع ومن بقي فإليه ينزع إني أوصيك بوصية فاحفظها واتق الله وليكن أولي الأمر بك الشكر لله في