أما بعد فإنه كان من قضاء الله وقدره اجتماعنا في هذه البقعة من الأرض لآجال قد اقتربت وأمور تصرمت يسوسنا فيها سيد المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وابن عم نبينا وأخوه ووارثه وسيف من سيوف الله ورئيسهم ابن آكلة الأكباد وكهف النفاق وبقية الأحزاب يسوقهم إلى الشقاء والنار ونحن نرجو بقتالهم من الله الثواب وهم ينتظرون العقاب فإذا حمي الوطيس وثار القتام وجالت الخيل بقتلانا وقتلاهم رجونا بقتالهم النصر من الله فلا أسمعن إلا غمغمة أو همهمة.
أيها الناس غضوا الابصار وعضوا على النواجذ من الأضراس فإنها أشد لصررا الرأس واستقبلوا القوم بوجوهكم وخذوا قوائم سيوفكم بأيمانكم فاضربوا الهام واطعنوا بالرماح مما يلي الشرسوف فإنه مقتل وشدوا شدة قوم موتورين بآبائهم وبدماء إخوانهم حنقين على عدوهم قد وطنوا أنفسهم على الموت لكيلا تذلوا ولا يلزمكم في الدنيا عار.
ثم التقى القوم فكان بينهم أمر عظيم فتفرقوا عن سبعين ألف قتيل من جحاجحة العرب وكانت الوقعة يوم الخميس من حيث استقلت الشمس حتى ذهب ثلث الليل الأول ما سجد لله في ذينك العسكرين سجدة حتى مرت مواقيت الصلوات الأربع الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
قال سليم ثم إن عليا عليه السلام قام خطيبا فقال:
أيها الناس إنه قد بلغ بكم ما قد رأيتم بعدوكم فلم يبق منهم إلا آخر نفس وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغوا فيكم ما قد بلغوا أنا غاد عليهم بالغداة إنشاء الله ومحاكمهم إلى الله (1).