البصرة، فقدمت الكوفة وقد اتسقت (1) لي الوجوه كلها إلا الشام، فأحببت أن أتخذ الحجة، وأقضى العذر، وأخذت بقول الله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * (2)، فبعثت جرير بن عبد الله إلى معاوية معذرا إليه، متخذا للحجة عليه، فرد كتابي، وجهد حقي، ودفع بيعتي، وبعث إلي أن ابعث إلي قتلة عثمان، فبعثت إليه: ما أنت وقتلة عثمان؟! أولاده أولى به، فادخل أنت وهم في طاعتي ثم خاصموا إلي (3) القوم لأحملكم وإياهم على كتاب الله، وإلا فهذه خدعة الصبي عن رضاع الملي، فلما يئس من هذا الامر بعث إلي أن اجعل الشام لي حياتك، فإن حدث بك حادثة عن الموت لم يكن لاحد علي طاعة، وإنما أراد بذلك أن يخلع طاعتي من عنقه (4) فأبيت عليه.
فبعث إلي: إن أهل الحجاز كانوا الحكام على أهل الشام فلما قتلوا (5) عثمان صار أهل الشام الحكام على أهل الحجاز، فبعثت إليه: إن كنت صادقا فسم لي رجلا من قريش الشام تحل له الخلافة، ويقبل في الشورى فإن لم تجده سميت لك من قريش الحجاز من تحل له الخلافة، ويقبل في الشورى، ونظرت إلى أهل شام فإذا هم بقية الأحزاب فراش نار وذباب (6) طمع تجمع من كل أوب ممن ينبغي له أن يؤدب ويحمل على السنة، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان، فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة فأبوا إلا فراقي وشقاقي، ثم نهضوا في وجه المسلمين، ينضحونهم بالنبل، ويشاجرونهم بالرماح، فعند ذلك نهضت إليهم، فلما عضتهم السلاح، ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف فدعوكم (7) إلى ما فيها،