قيل له: وأي تأثير في الحجة (1) في ذلك إذا لم تكن التقية مانعة من إصابة الحق، ولا بمخلة بالطريق إليه. وخبرنا عن الجماعة التي نقلها في باب الاخبار حجة لو ظفر بهم جبار ظالم متفرقين أو مجتمعين فسألهم عن مذاهبهم - وهم يعلمون أو يغلب في ظنونهم أنهم متى ذكروها على وجهها قتلهم وأباح حريمهم - أليست التقية جائزة على هؤلاء مع الحجة (2) في أقوالهم؟ فإن منع من جواز التقية على ما ذكرناه دفع ما هو معلوم.
وقيل له: وأي فرق بين هذه الجماعة وبين من نقص عن عدتها في جواز التقية؟ فلا يجد فرقا.
فإن قال: إنما جوزنا التقية على من ذكرتم لظهور الاكراه والأسباب الملجئة إلى التقية ومنعناكم من مثل ذلك، لأنكم تدعون تقية لم تظهر أسبابها ولا الأمور الحاملة عليها من إكراه وغيره.
قيل له: هذا اعتراف بما أردناه من جواز التقية عند وجود أسبابها، وصار الكلام الآن في تفصيل هذه الجملة، ولسنا نذهب في موضع من المواضع إلى أن الامام اتقى بغير سبب موجب لتقية، وحامل على فعله، والكلام في التفصيل غير الكلام في الجملة، وليس كل الأسباب التي توجب التقية تظهر لكل أحد، ويعملها جميع الخلق، بل ربما اختلفت الحال فيها، وعلى كل حال فلا بد أن تكون معلومة لمن وجب تقيته، ومعلومة أو مجوزة لغيره، ولهذا قد نجد بعض الملوك يسأل رعيته عن أمر فيصدقه بعضهم في ذلك ولا يصدقه آخرون، ويستعملون ضربا من التورية، وليس ذلك إلا لان من صدق لم يخف على نفسه ومن جرى مجرى نفسه، ومن ورى فلانه خاف على نفسه وغلب في ظنه وقوع الضرر به متى صدق فيما (3) سئل عنه، وليس يجب أن يستوي حال الجميع، وأن يظهر لكل أحد