ما ذكرناه، أنه لا وجه لمبايعته بعد الاباء الا ما ذكرناه بعينه، فان إباءه المتقدم لا يخلو من وجوه إما أن يكون لاشتغاله بالنبي وابنته صلوات الله وسلامه عليهما، أو استيحاشا من ترك مشاورته، وقد أبطلنا ذلك بما لا زيادة عليه، أو لأنه كان ناظرا في الامر ومرتئيا في صحة العقد إما بأن يكون ناظرا في صلاح المعقود له الإمامة أو في تكامل شرائط عقد إمامته، ووقوعه على وجه المصلحة، فكل ذلك لا يجوز أن يخفى على أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا ملتبسا، بل كان به أعلم، واليه أسبق، ولو جاز أن يخفى عليه مثله وقتا ووقتين لما جاز أن يستمر عليه الأوقات، ويتراخى المدد في خفائه.
وكيف يشكل عليه صلاح أبي بكر للإمامة، وعندهم أن ذلك كان معلوما ضرورة لكل أحد، وكذلك عندهم صفات العاقدين وعددهم وشروط العقد الصحيح مما نص النبي (عليه السلام) عليه وأعلم الجماعة به على سبيل التفصيل، فلم يبق شئ يرتئي فيه مثل أمير المؤمنين (عليه السلام) وينظر في اصابته النظر الطويل، ولم يبق وجه يحمل عليه إباؤه وامتناعه من البيعة في الأول الا ما نذكره من أنها وقعت في غير حقها ولغير مستحقها وذلك يقتضي أن رجوعه إليها لم يكن الا لضرب من التدبير.
فان استدلوا على رضاه بما ادعوه من إظهار المعاونة والمعاضدة وإشارته عليه بقتال أهل الردة فكل ذلك قد مضى الجواب عنه، وقد بينا أن ذلك دعوى لا يعلم منه (عليه السلام) معاضدة ولا مشورة، وأن الفتيا يجب عليه من حيث لا يجوز للعالم إذا استفتى عن شئ أن لا يجيب عنه، وما يروى من دفاعه عن المدينة فإنما فعل لوجوب ذلك عليه وعلى كل مسلم، لا لمكانهم وأمرهم، بل لأنه دفع عن حريمه وحرم النبي (صلى الله عليه وآله) وليس لهم أن يقولوا إنه لو ادعى الحق لوجد أنصارا كالعباس الزبير وأبي سفيان وخالد بن سعيد، لأنه لا نصرة فيمن ذكر ولا في أضعافهم إذا كان الجمهور على خلافه، وهذا أظهر من أن يخفى.
وليس لاحد أن يقول كيف يجوز مع شجاعته وما خصه الله به من القوة الخارقة للعادة أن يخاف منهم ولا يقدم على قتالهم لولا أنهم كانوا محقين، وذلك