وأما أقوال أبي ذر - تصريحا وتلويحا - فمعروفة مذكورة وليس لهم أن يقولوا إنه روي عنه تعظيم القوم ومدحهم، وذلك أن ذلك يمكن إذا سلم حمله على التقية والخوف، كما قلناه فيما رووه عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
ثم يقال للمعتزلة: ما اعتبر تموه من الاجماع في إمامة أبي بكر يلزم عليه القول بامامة معاوية، لان الناس بعد صلح الحسن (عليه السلام) بين نفسين مظهر للرضا ببيعته، و بين كاف عن النكير، فيجب أن يكون ذلك دلالة على إمامته، وهم لا يقولون بها فأما أن يقولوا بذلك أو يتركوا الاعتماد على هذا الضرب من الاستدلال.
فان قالوا: إن معاوية لم يصلح للإمامة لما ظهر منه من الفسق نحو استلحاقه زيادا، وقتله حجرا وشقه العصا في أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومقاتلته إياه (1) إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، فلا يصح والحال هذه أن يدعى الاجماع لان الاجماع إنما يدعى فيما يصح، فأما ما لا يصح فلا يدعى فيه الاجماع، ولو ثبت الاجماع على ما قالوه لعلمنا أنه على سبيل القهر كما يقع من الملوك، على أنه قد صح واشتهر الخلاف في ذلك، بل ربما كانوا يظهرون الخلاف بحضرته فلا ينكره، وقد كان الحسن و الحسين (عليهما السلام) ومحمد بن علي وابن عباس وإخوته وغيرهم من قريش يظهرون ذمه والوقيعة فيه، فكيف يدعى الاجماع في ذلك، مع علمنا ضرورة من حال من ذكرناه أنه كان لا يقول بإمامته ولا يدين بها.
قيل هذا تعليل للنقص لأنه إذا كان لا يصلح للإمامة وقد وجدنا في الاتفاق عليه والكف عن منازعته ومخالفته ما وجدناه فيمن تقدم، فيجب إما أن يكون إماما أو أن تكون هذه الطريقة ليست مرضية في تصحيح الاجماع، وكل شئ يبين به أنه لا يصلح للإمامة يؤكد الالزام، ويؤيده.
وقول السائل: إن الاجماع إنما يدل على ثبوت ما يصح، صحيح إلا أنه كان يجب أن يبين أن الاجماع لم يقع هيهنا باعتبار يقتضي أن شروطه لم تتكامل، ولا يرجع - في أنه لم يقع مع تكامل شروطه وأسبابه - إلى أن المجمع عليه .