بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣٩٩
أن شجاعته وان كانت على ما ذكرت وأفضل، فلا تبلغ إلى أن يغلب جميع الخلق ويحارب سائر الناس وهو مع الشجاعة بشر يقوى ويضعف، ويخاف ويأمن، والتقية جايزة على البشر الذين يضعفون عن دفع المكروه عنهم.
فان قيل: أليس الحسين (عليه السلام) أظهر النكير على بني أمية من يزيد وغيره وكان يجب أن لا ينقص نكيره عن نكيره، ولم يكن فزعه من أبي بكر الا دون فزعه من يزيد.
قيل: هذا بعيد من الصواب، لأنا قد بينا الأسباب المانعة من النكير، وليس الخوف في تلك الحال كالخوف من يزيد وبني أمية، وكيف يكون الخوف من مظهر للفسوق والخلاعة والمجانة، متهتك لا مسكة عنده، ولا شبهة في أن إمامته ملك و غلبة، وأنه لا شرط من شرايط الإمامة فيه، كالخوف من مقدم معظم جميل الظاهر يرى أكثر الأمة أن الإمامة له دونه، وأنها أدنى منازله، وما الجامع بين الامرين الا كالجامع بين الضدين.
على أن القوم الذين امتنعوا من بيعة يزيد قد عرف ما جرى عليهم من القتل والمكروه فيه.
على أن الحسين (عليه السلام) أظهر الخلاف لما وجد بعض الأعوان عليه، وطمع في معاونة من خذله وقعد عنه، ثم إن حاله آلت مع اجتهاده (عليه السلام) واجتهاد من اجتهد معه في نصرته إلى ما آلت إليه.
وليس لاحد أن يقول إنه كان بعيدا من التقية لما انتهت الإمامة إليه، و حين فاضل أهل البصرة وصفين، كان واجد الأنصار، فكان يجب أن يظهر النكير وذلك أن كثيرا من التقية وإن كان زال في أيامه فقد بقي كثير منها لان أكثر من كان معه كان يعتقد امامة المتقدمين عليه، وأن إمامته ثبتت كما ثبتت إمامة من تقدم بالاختيار، فلأجل ذلك لم يتمكن من إظهار جميع ما في نفسه، ولم ينقض أحكام القوم، وأمر قضاته على أن يحكموا بما كانوا يحكمون، وقد بينا ذلك فيما تقدم على وجه لا يخفى على من أمعن النظر، وأنصف من نفسه.
(٣٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 ... » »»
الفهرست