بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣٩٤
إلى التواتر، وبعد، فأدون منزلة هذه الأخبار إذا كانت آحادا أن تقتضي الظن، و تمنع من القطع على أنه لم يكن هناك خوف ولا إكراه، وإذا كنا لا نعلم أن البيعة وقعت عن رضا واختيار مع التجويز لان يكون هناك أسباب إكراه، فأولى أن لا نقطع على الرضا والاختيار مع الظن لأسباب الاكراه والخوف.
فان قيل: التقية لا تكون إلا عن خوف شديد، ولابد له من أسباب وأمارات تظهر، فمتى لم تظهر أسبابه لم يسغ تجويزه، وإذا كان غير جايز فلا تقية.
قلنا: وأي أسباب وأمارات هي أظهر مما ذكرناه ورويناه، هذا إن أردتم بالظهور النقل والرواية على الجملة، وإن أردتم بالظهور أن ينقله جميع الأمة ويعلموه، ولا يرتابوا به، فذاك اقتراح منكم لا ترجعون فيه إلى حجة، ولنا أن نقول لكم من أين أوجبتم ذلك؟ وما المانع من أن ينقل أسباب التقية قوم ويعرض عن نقلها آخرون لأغراض لهم، وصوارف تصرفهم عن النقل، ولا خفاء بما في هذه الدعوى وأمثالها.
على أن الامر في ظهور أسباب التقية أوضح من أن يحتاج فيه إلى رواية خبر ونقل لفظ مخصوص لأنكم تعلمون أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن البيعة تأخرا علم وارتفع الخلاف فيه، ثم بايع بعد زمان متراخ وإن اختلف في مدته، ولم تكن بيعته وإمساكه عن النكير الذي كان وقع منه، إلا بعد أن استقر الامر لمن عقد له، وبايعه الأنصار والمهاجرون، وأجمع عليه في الظاهر المسلمون، وشاع بينهم أن بيعته انعقدت بالاجماع والاتفاق، وأن من خالف عليه كان شاقا لعصا المسلمين مبتدعا في الدين، رادا على الله وعلى رسوله، وبهذا بعينه احتجوا على من قعد عن البيعة وتأخر عنها، فأي سبب للخوف أظهر مما ذكرناه.
وكيف يراد سبب له ولا شئ يذكر في هذا الباب إلا وهو أضعف مما أشرنا إليه، وكيف يمكن أمير المؤمنين (عليه السلام) المقام على خلاف من بايعه جميع المسلمين وأظهروا الرضا به والسكون إليه، وأن مخالفه مبتدع خارج عن الملة.
وإنما يصح أن يقال إن الخوف لابد له من أمارة وأسباب تظهر، وأن نفيه
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»
الفهرست