بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣٩٥
واجب عند ارتفاع أسبابه، لو كان أمير المؤمنين (عليه السلام) بايع في الابتداء من الامر مبتدئا بالبيعة، طالبا لها راغبا فيها، من غير تقاعد، ومن غير أن تأخذه الألسن باللوم والعذل، فيقول واحد: حسدت الرجل، ويقول آخر: أردت الفرقة ووقوع الاختلاف بين المسلمين، ويقول آخر: متى أقمت على هذا لم يقاتل أحد أهل الردة، ويطمع المرتدون في المسلمين، ومن غير أن يتلوم أو يتربص حتى يجتمع المتفرقون، ويدخل الخارجون، ولا يبقى إلا راض أو متظاهر بالرضا، فأما و الامر جرى على خلاف ذلك، فالظاهر الذي لا إشكال فيه أنه (عليه السلام) بايع مستدفعا للشر، وفرارا من الفتنة، وبعد أن لم يبق عنده بقية ولا عذر في المحاجزة و المدافعة.
هذا إذا عولنا في إمساكه عن النكير على الخوف المقتضى للتقية، وقد يجوز أن يكون سبب إمساكه عن النكير غير الخوف إما منفردا أو مضمونا إليه، وذلك أنه لا خلاف بيننا وبين من خالفنا في هذه المسألة أن المنكر إنما يجب انكاره بشرائط منها أن لا يغلب في الظن أنه يودي إلى منكر هو أعظم منه، وأنه متى غلب في الظن ما ذكرناه لم يجز انكاره، ولعل هذه كانت حال أمير المؤمنين في ترك النكير.
والشيعة لا تقتصر في هذا الباب على التجويز، بل تروى روايات كثيرة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك وأنذره بأن القوم يدفعونه عن الامر ويغلبونه عليه، وأنه متى نازعهم فيه أدى ذلك إلى الردة، ورجوع الحرب جذعة وأمره بالاغضاء والامساك إلى أن يتمكن من القيام بالامر، والتجويز في هذا الباب لما ذكرنا كاف.
فان قيل: هذا يؤدي إلى أن يجوز في كل من ترك انكار منكر هذا الوجه بعينه فلا نذمه على ترك نكيره، ولا نقطع على رضاه به.
قلنا: لا شك في أن من رأيناه كافا عن نكير منكر ونحن نجوز أن يكون إنما كف عن نكيره لظنه أنه يعقب ما هو أعظم منه، فانا لا نذمه ولا نرميه أيضا
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»
الفهرست