وما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها فلم يوجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم، مع أنه يحتمل أن يكون المراد كونهم علة غائية لايجاد جميع المكونات، وأنه تعالى جعلهم مطاعين في الأرضين والسماوات، ويطيعهم بإذن الله تعالى كل شئ حتى الجمادات، وأنهم إذا شاؤوا أمرا لا يرد الله مشيتهم، ولكنهم لا يشاؤن إلا أن يشاء الله.
وأما ما ورد من الاخبار في نزول الملائكة والروح لكل أمر إليهم وأنه لا ينزل ملك من السماء لأمر إلا بدأ بهم فليس ذلك لمدخليتهم في ذلك، ولا الاستشارة بهم، بل له الخلق والامر تعالى شأنه، وليس ذلك إلا لتشريفهم وإكرامهم وإظهار رفعة مقامهم.
الثاني التفويض في أمر الدين، وهذا أيضا يحتمل وجهين:
أحدهما أن يكون الله تعالى فوض إلى النبي والأئمة عليهم السلام عموما أن يحلوا ما شاؤوا ويحرموا ما شاؤوا من غير وحي وإلهام أو يغيروا ما أوحى إليهم بآرائهم وهذا باطل لا يقول به عاقل، فإن النبي صلى الله عليه وآله كان ينتظر الوحي أياما كثيرة لجواب سائل ولا يجيبه من عنده، وقد قال تعالى: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " (1).
وثانيهما: أنه تعالى لما أكمل نبيه صلى الله عليه وآله بحيث لم يكن يختار من الأمور شيئا إلا ما يوافق الحق والصواب ولا يحل بباله ما يخالف مشيته تعالى في كل باب فوض إليه تعيين بعض الأمور كالزيادة في الصلاة وتعيين النوافل في الصلاة والصوم وطعمة الجد وغير ذلك مما مضى وسيأتي إظهارا لشرفه وكرامته عنده، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحي، ولم يكن الاختيار إلا بالهام، ثم كان يؤكد ما اختاره صلى الله عليه وآله بالوحي، ولا فساد في ذلك عقلا وقد دلت النصوص المستفيضة عليه مما تقدم في هذا الباب وفي أبواب فضائل نبينا صلى الله عليه وآله من المجلد السادس.
ولعل الصدوق رحمه الله أيضا إنما نفى المعنى الأول وحيث قال في الفقيه: وقد