عليه السلام هو مولود من غير أب، فلم لا يجوز أن يكونوا مولودين من غير آباء؟ فإنهم لا يجسرون على إظهار مذهبهم لعنهم الله في ذلك، ومتى جاز أن يكون جميع أنبياء الله ورسله وحججه بعد آدم عليه السلام مولودين من الاباء والأمهات وكان عيسى من بينهم مولودا من غير أب جاز أن يشبه للناس أمره دون أمر غيره من الأنبياء والحجج عليهم السلام كما جاز أن يولد من غير أب دونهم، وإنما أراد الله عز وجل إن يجعل أمره عليه السلام آية وعلامة ليعلم بذلك (1) أنه على كل شئ قدير (2).
بيان: " ويلد مختونا " كذا في أكثر نسخ " ل ون " والظاهر يولد كما في " ج " وغيره ويكون مطهرا، أي من الدم وسائر الكثافات، أو مقطوع السرة، أو مختونا فيكون، تأكيدا.
" ويرى من خلفه " يمكن أن يقرأ في الموضعين بالكسر حرف جر، وبالفتح اسم موصول، وعلى الأول مفعول " يرى " محذوف، أي الأشياء، والظاهر أن الرؤية في الأول بمعنى العلم، فإن الرؤية الحقيقية لا تكون إلا بشرائطها.
وما يقال: من أن الرؤية بمعنى العلم يتعدى إلى مفعولين، وبالعين إلى مفعول واحد فهو إذا استعمل في العلم حقيقة، وأما إذا استعمل في الرؤية بالعين ثم استعير للعلم للدلالة على غاية الانكشاف فيتعدى إلى مفعول واحد كما مر من قول أمير المؤمنين عليه السلام: " لم أكن لأعبد ربا لم أره ".
ثم قال عليه السلام: " لم تره العيون بمشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان " وأمثال ذلك كثيرة.
وما قيل: من أن الله تعالى خلق لهم إدراكا في القفا كما يخلق النطق في اليد والرجل في الآخرة، أو أنه كان ينعكس شعاع أبصارهم إذا وقع على ما يقابله كما في المرآة، فهما تكلفان مستغنى عنهما.