أو المظلومية حتى يحتاج إلى أن ينفي عن نفسه ذلك، بل الله سبحانه خلط الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بنفسه، ونسب إلى نفسه سبحانه كل ما يفعل بهم أو ينسب إليهم لبيان كرامتهم لديه، فقوله تعالى: (وما ظلمناهم) ليس الغرض نفي الظلم عن نفسه، بل عن حججه بأنهم لا يظلمون الناس بقتلهم وجبرهم على الاسلام والاستقامة على الحق بل هم يظلمون أنفسهم بترك متابعة الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم ثم إن تلك الآيات وردت في مواضع من القرآن المجيد ففي سورة البقرة: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (1)).
وفي الأعراف: (وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن) إلى آخر ما مر (2) وفي هود: (وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم (3)).
وفي النحل: (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (4)).
فالآية الأولى هنا هي ما في البقرة والأعراف، والثانية هي ما في النحل فقوله عليه السلام: نعم في جواب (هذا تنزيل) مشكل إذ كون الولاية مكان الرحمة بعيد جدا، وكون الآية والظالمين آل محمد كما قيل تنافي ما حققه عليه السلام من قوله، خلطنا بنفسه الخ، إلا أن يقال: المراد بالتنزيل ما مر من أنه مدلوله المطابقي والتضمني لا الالتزامي أو أنه قاله جبرئيل عند إنزال الآية، وفي بعض النسخ: (وما ظلموناهم) في الأخير، فيدل على أنه كان في النحل هكذا، فضمير (هم) تأكيد، ومضمونها مطابق لما في البقرة والأعراف وهو أظهر.
فإن قيل: هذه القراءة تنافي ما في صدر الآية، إذ الظاهر أنه استدراك لما يتوهم من أن التحريم ظلم عليهم فبين أن هذا جزاء ظلمهم.
قلت: قد قال تعالى في سورة النساء: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم