" جاهد الكفار بالمنافقين " قالوا: لان النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يقاتل المنافقين، و إنما كان يتألفهم، ولان المنافقين لا يظهرون الكفر، وعلم الله تعالى بكفرهم لا يبيح قتلهم إذا كانوا يظهرون الايمان " واغلظ عليهم " وأسمعهم الكلام الغليظ الشديد. (1) وفي قوله تعالى: " وما كان المؤمنون " قيل: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج غازيا لم يتخلف عنه إلا المنافقون والمعذرون، فلما أنزل الله عيوب المنافقين وبين نفاقهم في غزاة تبوك قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزاة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وآله ولا سرية أبدا، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالسرايا إلى الغزو نفر المسلمون جميعا و تركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وحده فنزلت الآية عن ابن عباس في رواية الكلبي، وقيل إنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله خرجوا في البوادي فأصابوا من الناس معروفا وخصبا، ودعوا من وجدوا من الناس على الهدى (2)، فقال الناس: ما نراكم إلا وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا، وأقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وآله، فأنزل الله هذه الآية عن مجاهد " لينفروا كافة " هذا نفي معناه النهي، أي ليس للمؤمنين أن ينفروا إلى الجهاد بأجمعهم، و يتركوا النبي صلى الله عليه وآله فريدا، وقيل: معناه ليس عليهم أن ينفروا كلهم من بلادهم إلى النبي صلى الله عليه وآله ليتعلموا الدين ويضيعوا من وراءهم ويخلوا دياهم " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين " فيه وجوه: أحدها فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع النبي صلى الله عليه وآله جماعة ليتفقهوا في الدين، يعني الفرقة القاعدين يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والاحكام، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم القرآن وتعلمه القاعدون قالوا لهم إذا رجعوا إليهم: إن الله قد أنزل بعدكم على نبيكم قرآنا، وقد تعلمناه فيتعلمه السرايا، (3) فذلك قوله:
(١٥٦)